بسم الله الرحمان الرحيم
حنتكلم اليوم عن كشف خداع للعقل أو خداع للعين
حنتكلم اليوم عن كشف خداع للعقل أو خداع للعين
خداع للعقل أم خداع للعين
كان العلماء بحاجة ماسة إلى معرفة آليات المخ و الإدراك وراء الخدع السحرية لكى تنجح. كانت اول الدراسات فى هذا المجال عام 2005 بواسطة الباحثين "جوستاف كون" و "بينجامين تاتلر". أحد خطوات تجربة الباحثين كون و تاتلر ،القيام بعرض خدعة سحرية على الأشخاص محل التجربة بينما يتم ملاحظة و قياس حركة العينين. قام "كون" بعرض خدعة سحرية بإخفاء سيجارة خلف المنضدة و كان الهدف من الخدعة الإجابة عن سؤال و هو: هل السبب وراء عدم فهم المشاهد للحيلة وراء الخدعة ، هو أنه لم يكن ينظر فى المكان المناسب فى الوقت المناسب أم أنه لم يكن حاضر الذهن بغض النظر عن إتجاه عينيه؟ و كانت الإجابة واضحة: لا فارق أين ينظر المشاهد فهو لن يرى الخدعة مهما حدث!! بحث علمى أخر أجرى لنفس الهدف لكن بإستخدام خدعة أخرى " الكرة المختفية" و التى تعطى دليل أخر على أن الساحر قادر على خداع المشاهد على مستوى إدراكى عالى و أن إتجاه عين المشاهد غير هام لإحداث التأثير المطلوب. فى خدعة الكرة المختفية ، يمسك الساحر بكرة فى يده فيرميها ثم يلتقطها عدة مرات متتالية و فى أخر مرة يتظاهر أنه فى سوف يلقى بها فى الهواء و إذا بها تختفى فجأة!! تكمن الخدعة وراء حركة عين الساحر و رأسه نفسه إذا ان مسار عينه و حركة رأسه يتبع مسار حركة الكرة و فى أخر مرة يتظاهر بإلقاء الكرة ، يرى المشاهد حركة عينيه تتبع مسار الكرة و كأنه ألقى بها فعلا فى الهواء و لكنه لم يفعل فى الحقيقة بل أخفاها فى يده ، فتبدو الخدعة و كأن الكرة خرجت من يد الساحرثم إختفت فى الهواء! بعد سنة من بحثه مع "تاتلر" تعاون "كون" مع عالم الاعصاب "مايكل لاند" ليكتشفا سويا أن المُشاهد لم يكن ينظر إلى المكان الذى إدعى إختفاء الكرة فيه بل أن حركة عين و رأس الساحر مع الكرة كان ضروريا لإتمام الخدعة، لأنها تعمل كنوع من "تشتيت الإنتباه الخفى" بأنه حوّل "إدراك" المشاهد و ليس "العينين" إلى المكان الذى من المفترض أن تتواجد الكرة فيه. على مستوى خلايا المخ ، وجد "كون" و"لاند" ان الخلايا العصبية التى إستجابت إلى "الحركة الضمنية" للكرة بناءا على مسار حركة عين الساحر و رأسه و التى أعطت توقع بحركة الكرة فى الهواء رغم أنها لم تحدث، تقع فى نفس المنطقة فى المخ حيث تتواجد الخلايا العصبية البصرية التى تنشط فى حالة إدراك "الحركة الحقيقة". فإذا كانت كلتا الحركة الضمنية و الحقيقة تنشط نفس الوصلات العصبية، فلا شك بأن تبدو الخدعة حقيقية تماما.
"عمى التغيير" و "العمى الغير مقصود" ليست الخدع الإدراكية الوحيدة فى جعبة الساحر بل هناك أيضا " الإعلام الحركى" و فيه يقوم الساحر بحركة قد تبدو تلقائية مثل حك الرأس باليد ، تعديل الملابس أو القبعة ، و لكن الساحر فى هذه الحالات لم يكن يضمر النية الحسنة بل هى جزء لا يتجزأ من الخدعة ، و هذه الطريقة أفضل من القيام بحركة غير منطقية مثل أن يرفع الساحر يده بدون سبب معين يثير الشك لدى الجمهور.
نرى مثال واضح لأساليب "تشتيت الإنتباه الخفى" و "الإعلام الحركى" فى هذا الفيديو للساحرين الشهيرين "بين" و "تيلر"، تابع كل حركة بهدوء و فى جميع الحالات سوف تنخدع بسهولة!
الأبحاث "السحرية"
تهدف بعض الأبحاث العلمية على إجابة بعض الأسئلة الخاصة بالأساليب الإدراكية و العقلية و ذلك عن طريق إستخدام الخدع السحرية كوسيلة لا أكثر. قام عالمى النفس "بيتر جونسون" و "لارز هول" بتجربة بحثية، يقوم خلالها المراقب بعرض صورتين لوجهين مختلفين على مجموعة من الأشخاص ، و طلب من كل شخص منهم أن يحدد أيهما أكثر جاذبية. و بعد أن يحدد كل شخص إختياره ، يقوم المراقب بخدعة "التبديل" فيقوم بتبديل الصورة التى إختارها الشخص بالصورة الأخرى، و يعرضها عليه و يطلب منه أن يبرر إختياره لهذه الصورة.
وٌجد أن 26% فقط من الأشخاص أدركوا تغيير الصورة، أما النسبة الغالبة من الأشخاص لم يدركوا تغيير الصورة و بدءوا فى تبرير إختيارهم بناءا على الصورة الواقعة أمامهم على الرغم من كونها ليست من "إختيارهم" و هو ما يطلق عليه "عمى الإختيار". كان الهدف من التجربة دراسة الكيفية التى يبرر بها الإنسان إختيارات و قرراته فى الحياة.
لم تتوقف محاولات إستخدام الحيل السحرية فى الأبحاث العلمية عن هذا الحد، فالمناطق المخية التى ترتبط بأنشطة إدراكية معينة لا تعد و لا تحصى و يمكن إستكشافها عن طريق ....السحر.
إمكانيات إستخدام السحر كمصدر للأوهام الإدراكية للمساعدة لإستكشاف الوصلات العصبية المسئولة عن المهام الإدراكية المختلفة تبدو بلا حدود. قام علماء الأعصاب بإستعارة بعض الحيل السحرية لجعل أشخاص تحت الدراسة القيام بعملية ربط إدراكى غير صحيحة بين حدثين على أنهما "السبب و النتيجة" ، مع التصوير بالرنين المغناطيسى لمخ كل شخص. لنفترض وقوع حدث "أ" و حدث"ب" ، و أن الحدث "أ" قد سبق الحدث"ب" فى الوقوع، فإن الإستنتاج الإدراكى الطبيعى للمخ يكون بإن الحدث "أ" لابد و أن يكون هو "السبب" فى وقوع الحدث "ب" أى أنه "النتيجة".و قد إستغلت هذا المبدأ الإدراكى للقيام بحيلة سحرية بحثية مثل خدعة إختفاء الكرة،بصب الماء عليها مثلا(الحدث "أ") فيجعلها تختفى(الحدث "ب") ! بالطبع صب الماء لا يجعل الكرة تختفى و لكنه حدث هام ليبدو و كأنه السبب فى جعل الكرة تختفى فعلا. فى تجربة قام بها "كون" و "بين باريس" و "تيم هودجسون" ،تم تقسيم الأشخاص تحت التجربة إلى مجموعتين .شاهد الأشخاص فى المجموعة الاولى تسجيل فيديو لخدع سحرية تخالف قانون "السبب و النتيجة" و فيها قام الساحر بإخفاء الكرة بحيلة سحرية عن طريق حدث لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون هو السبب فى إختفاء الكرة ،لذا من الطبيعى ان نطلق عليه سحرا!
أما المجموعة الثانية فقد شاهدت نفس التسجيلات و لكن مع فارق أن قانون السبب و النتيجة لم يتم إختراقه اى ان الكرة لم تختفى لأن الحدث السابق لم يكن ليؤدى إلى إختفاءها و هذا طبيعى جدا فهو لم يكن سحرا!
فى كلا الحالتين السابقتين تم التقاط صور لمخ الأشخاص تحت التجربة و لوحظ نشاط زائد فى منطقة فى المخ معروفة بإسم القشرة الحزامية الامامية فى الأشخاص الذين شاهدو الخدعة السحرية عن الأشخاص الذين شاهدوا المشاهد العادية، لذا فيعتقد أن هذه المنطقة من المخ ذات دورهام فى تحليل العلاقات المنطقية بين الأشياء و الأحداث لمختلفة فى حياتنا.
كم نستمتع عندما نرى الخدع السحرية و كم ننبهر بها و نعشقها برغم من عدم فهمنا لها و ذلك لأن الإنسان بطبيعته يعشق الغموض و ما ان يرى شئ غريب حتى يطلق عليه "سحر". من جانب آخر فهو وسيلة فعالة لإستكشاف الوظائف الإدراكية المختلفة فى مخ الإنسان لذا و لكى نفك طلاسم المخ ....لابد و أن نستخدم طلاسم السحر.
إنتهى الجزء الثالث و الاخير من موضوع السحر و خداع الدماغ، و نرحب بتعليقاتكم.